الجمعة 6 جمادى الآخرة 1441 هـ

الموافق31 يناير 2020 م

الحمد لله الذي في السماء تعالى وتقدس، واصطفى من البقاع الحرمين الشريفين والبيت المقدس، الحمد لله ولا يبلغ حمده حامد، ونشكره على نعمه التي لا يعدها عاد ولا يحيط بها راصد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وأطيعوهوراقبوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد أحب الله -تعالى- من خلقه، واصطفى ما شاء من الرسل والأنبياء والبلاد والبقاع، وهذه حكاية مكان قدَّسه الله تعالى وشرَّفه وعظَّمه وكرَّمه إنه (المسجد الأقصى) وقدسه المقدس، وإرث الأمة الخاتمة الذي يسكن قلب كل مسلم، ذكره الله في القرآن العظيم بلفظ التقديس، والأرض المقدسة، والمسجد الأقصى، وباركه الله، وبارك ما حوله؛ ففاضت بركته الدينية والدنيوية؛ حتى بورك الذي حوله لبركته... أقسم الله تعالى بثمرته فقال: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) إشارة إلى (المسجد الأقصى)، ثم أقسم بـ (طور سينين) الذي كلم فيه رسوله موسى -عليه السلام- ثم أقسم بـ (هذا البلد الأمين) مكة المكرمة؛ مبعث الرسول محمد الخاتم وأمته الوراثة..وجاءت شريعة الإسلام بأعظم فروضها بعد التوحيد وهي (الصلاة) متوجهاً بها إلى بيت المقدس؛ فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بمكة ثلاثة عشر عاماً... وبعد الهجرة إلى المدينة أيضاً سبعة عشر شهراً حتى نزل القرآنالكريم آمراً بالتوجه إلى المسجد الحرام، والذي ارتبط ارتباطاً أزلياً بالمسجد الأقصى.

يقول الله عز وجل في بيان فضل المسجد الأقصى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّل؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ:(أَرْبَعُونَ سَنَةً..)

عباد الله: و(المسجد الأقصى) هو اسمٌ لجميع ما دار عليه السور من المباني والساحات والآثار، وفي داخله المسجد الذي في صدره و(مسجد قبة الصخرة)، ولقد كان المسجد الأقصى كله مزاراً للأنبياء ومسرى لخاتمهم محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وكلهم عظموه وأكرموه. وقد ثبت ثبوتاً قطعياً أن بين بناء البيت الحرام والمسجد الأقصى أربعين عاماً، ومن المعلوم أن بين إبراهيم -عليه السلام باني الكعبة- وبين سليمان -عليه السلام- ما يقارب الألف عام؛ مما يؤكد قطعاً أن المسجد الأقصى بُنِي قبل سليمان بمئات السنين.

وإنما كان لسليمان عليه السلام شرف إعادة البناء والتجديد؛ كما فعل ذلك أولياء الله من رسله وأنبيائه بمساجد الله ومواضع عبادته، وكما فعل عمر بن الخطاب ومن بعده من خلفاء الإسلام. وهكذا تبقى فلسطين -والمسجد الأقصى خاصة- مآلها لعباد الله المؤمنين؛ ثم إنه بعد مئات من السنين أنجى الله -تعالى- بني إسرائيل من ظلم فرعون مصر، وهاجر بهم موسى -عليه السلام- من مصر إلى سيناء.

وأمرهم بدخول الأرض المقدسة لكنهم أبوا وقالوا: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) ولم يجب موسى منهم إلا رجلان فقط، وكتب الله -تعالى- عليهم التيه في الأرض أربعين عاماً؛ توفي فيها موسى -عليه السلام-؛ حتى خرج جيلٌ آخر أكثر صدقاً من آبائهم؛ فدخلوا الأرض المقدسة.

وكتب الله عليهم الإخراج إذا أفسدوا في الأرض وطغوا؛ فكان ما كتبه الله، وتوالى منهم الكفران والطغيان؛ حتى أُخرِجُوا وتشرذموا في الأرض بعد ثلاثة قرون فقط.

ثم إنه بعد سنين؛ أورث الله الأرض المؤمنين أتباع عيسى -عليه السلام-؛ لأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده؛ فكما كانت للمؤمنين قبل بني إسرائيل؛ فقد كانت للمؤمنين بعدهم: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) حتى أذن الله -تعالى- ببعثة سيد الثقلين وخاتم النبيين وبشارتهم؛ محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي -صلى الله عليه وسلم-، وكان فتح بيت المقدس إحدى بشاراته -كما في صحيح البخاري-، وكانت وراثته ووراثة أمته للأرض المباركة؛ هي سنة الله الممتدة على مر العصور، ومنذ عهد إبراهيم -عليه السلام-...وإن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء في (بيت المقدس) ليلة الإسراء؛ كانت إعلاناً بأن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأن آخر صبغة لـ (المسجد الأقصى) هي الصبغة الإسلامية؛ فالتصق نسب المسجد الأقصى بهذه الأمة الوارثة.. وفي السنة الخامسة عشر للهجرة؛ تحققت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل المسلمون (بيت المقدس)، وقال البطارقة (المسيحيون النصارى) لا نُسلِّم مفاتيح بيت المقدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب؛ فإنا نجد صفته في الكتب المقدسة.. وجاءعمر -رضي الله عنه- من المدينة النبوية إلى فلسطين، وتسلم مفاتيح (بيت المقدس) تسلماً شريفاً في قصة تكتب تفاصيلها بمداد النور، وأشرف على مدينة القدس من (جبل المكبِّر) حيث كبَّر وكبر معه المسلمون..

جاء على جملٍ أحمر يتعاقبه هو وغلامه، وأقبل وغلامه هو الراكب وعمر آخذٌ بخطام البعير، ومر على مخاضةٍ من ماءٍ وطين فخلع موقيه -أي خُفَّيه- فأمسكهما بيد، وأمسك خطام البعير باليد الأخرى. فاستقبله أبو عبيدة بن الجراح معاتباً يقول له : (لقد فعلت يا أمير المؤمنين شيئاً عظيماً أمام أهل الأرض)، فدفعه عمر بيده في صدره وقال:أوه (لو غيرك قالها يا أبا عبيدة لأوجعته ضرباً! فقد كنتم أذل الناس؛ فأعزكم الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).هذا هو الطريق إلى فلسطين، دخل عمر بعزة الإسلام في يومٍ من أيام الله، وصلى في صدر المسجد مما يلي القبلة، وسأل عن (الصخرة)، وكانت مدفونة تحت القمامة والزبل؛ فأزال عنها القذر بعباءته، وتبعه الناس حتى طهر المكان.. ولقد كتب التاريخ -بما لا مراء فيه-: أن عمرلم يهدم صومعةً، ولا كنيسةً، ولا معبداً، ولا داراَ، بل ترك للناس دور عبادتهم، وكتب لأهل البلد عهداً وأماناً وأشهد عليه.

وعلى هذا النهج سار المسلمون إلى يومنا هذا، وشهد التاريخ أن اليهود والنصارى عاشوا أسعد فترة في ظل حكم المسلمين لفلسطين، ومارسوا عبادتهم بحرية لم يجدوها في ظل أي حكم قبله أو بعده؛ لأنه لا تفاضل في الإسلام إلا بالتقوى، وليس لأحد أن يدَّعِي أنه عِرْقٌ مفضل، وأن يحتقر الآخرين، أو يظلمهم حتى ولو خالفوه في الدين والعقيدة. ومنذ تلك اللحظة اجتمع التاريخ، واتحد الهم، واتفق المصير منذ فجر الإسلام وإلى قيام الساعة، يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (إذا فَسَدَ أهلُ الشامِ فَلا خيرَ فيكُم). ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهِرِينَ على الحقِّ لا يضُرُّهم من خالَفَهُم، قيل: فأين هُم يارسول الله؟ قال: ببيتِ المقدِسِ. أو بأكنافِ بيتِ المقْدِس)

أيها المؤمنون: إن فلسطين لم تكن مجرد أرض دخلت تحت سلطان المسلمين يوماً من الأيام،ويمكنها في يوم آخر أن تكون خارجه، فلسطين مهد الأنبياء، وفي الحجاز بعث إمامهم وخاتمهم، فلسطين موطن الشرائع والرسالات، وفي جزيرة العرب أُنزِلت خاتمة هذه الشرائع وناسختها والمهيمنة عليها، وصدق الله العظيم: (وأنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) إن المسلمين هم الوارثون الحقيقيون لكل شريعة سماوية سابقة، وهم الأولى بكل نبي ورسول غابر يقول تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)

إن فلسطين -تاريخاً وأرضاً ومقدسات ومعالم- هي إرث المسلمين، إرثٌ واجب القبول، متحتم الرعاية لازم الصون، إنه ليس خياراً يتردد فيه المترددون أو شأناً يتحير فيه المتحيرون؛ لهذا وذاك كان أكثر ما سُفِك من دماء المسلمين، وأضرى ما وقع من حروبهم على مر التاريخ حول تلك البقعة المقدسة، وعلى ذلك الثرى والدم الذي سكبه المسلمون أيام الحروب الماضية، لم يكن لينضب وفي المسلمين عرق ينبض.

أيها المسلمون: يساق هذا الحديث؛ في الوقت الذي يعتقد فيه رواد الحضارة المعاصرة أنهم وصلوا بها– في الصناعة والمكتشفات والمواثيق للحقوق والمنظمات -أنهم وصلوا بها ذراً؛ تطيًبُ عيشهم، وتكفل رفاهيتهم، ولم يبق إلا سلام يعم هذا الكوكب؛ ليتوج هذه المنجزات ويسعد بها البشر.

ومن الذي يا عباد الله يكره السلام ولا يريد السلام؟ بل من الذي اعترض في الماضي أن يعيش اليهود والنصارى مع المسلمين في أرض الشام وفلسطين، ومارسوا عبادتهم وبقيت كنائسهم ومعابدهم، واختلطوا بالمسلمين وتبادلوا المصالح والمنافع، بل وتصاهروا كما شهد التاريخ البعيد والقريب؟ منالذي يكره السلام ولا يريد السلام، وقد قدم العرب مبادراتهم في ذلك وما زالوا؟ ولكن أن تُغتصب أرض، وتسفك دماء، وتُهجَّر أسر، ويُنفى شعب، ويُعبث بمقدسات، ويُزوَّر تاريخ، وتُغير معالم، ويقع ظلم شديد بشعب ما زال يُسقى المر منذ أكثر من سبعين عاماً؛ فإن ذلك كله عبث ببرميل بارود، لا يدرى متى يبلغ مداه؟!إنك لتعجب من أن حماة حقوق الإنسان؛ هم الراعون لمنتهكي الإنسانية! والمتحدثون باسم احترام مقدسات الأمم وأديانهم! هم المبررون للعابثين بقدسية الأقصى ومسجدهومعالمه! وأن رافعي راية العدل والمساواة؛ هم الراعون لمغتصبي الأوطان ومهجري الشعوب وسارقي التاريخ! والأسوأ من ذلك أن يمارس باسم الدين، وباسم الرب، وباسم التوراة! إن الذي يمارس اليوم ؛ هو إحداث صراع ثقافة، وحضارة ودين، وتصرف يوقع العالم في حرج وخطر، وينذر بشر لا يعلم مداه إلا الله عز وجل. وعلى المخلصين من أمة الإسلام، وعلى العقلاء من قادة العالم، أن يتداركوا ما يجري من مسلسل التجاوزات والاعتداءات على الأرض والإنسان، وممتلكاته التراثية والدينية والمعالم الإسلامية، والحفريات الأرضية؛ التي تنخر أساس مسجد عظَّمه الأنبياء وقدَّسه رب السماء: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

اللهم إنا نسألك يا رب العرش الكريم أن تحفظ القدس الشريف والمسجد الأقصى وأهل فلسطين من كيد أعدائك أعداء الدين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ويقول أيضًا: (فُضِّلت الصلاة في المسجد الحرام على غيرِه بمائة ألْف صلاة، وفي مسجدي بألف صلاة، وفي مسجد بيْت المقدس بخمسمائة صلاة)

وبهذه القداسة، وبناءً على هذه المكانة، نظر المسلمون قديماً إلى بيت المقدس من الصحابة والتابعين والخلفاء والملوك والأمراء على أنه مزارٌ شريف، ومنزل مبارك وموضِع مقدَّس كريم، فشدُّوا إليه الرِّحال، وأحرموا منْه للحج والعمرة، وزاروه لذاتِه بغية الصَّلاة والثَّواب، وأحاطوه برعايتهم الدينيَّة الكريمة... إن القدس والأقصَى المُبارَك عباد الله هو الذي يجبُ أن تنتهي عنده الخلافات والنزاعات، فهو الذي يُوحِّد بين المسلمين عامة، والفلسطينيين خاصة، ولا يُمكن أن يُترَك إخوانُنا المُقاوِمون المرابطون هناك وحدَهم أمام هذا العدو المجرم المُتسلِّط. إنها قضيَّةُ أهل الإسلام جميعاً، والانتِصارُ لها وتأييدها مسؤوليَّةُ كل مُسلم…

لا يليق بأمة الإسلام أن تغرق في خلافات جانبية، ونظرات إقليمية أو أنانية، يجب أن تقدَّم مصالح الأمة الكبرى على كل مصلحة فرعية، وأن تُسمع نداءاتُ الحقِّ والعدلِ ومبادرات الحَزْم والعقل بأن تُطَّرَح الخلافاتُ، وتتوحد الأمة في وجه الأزمات (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، فلن ننجح مادمنا مختلفين، ولن ننتصر إن كنا متفرقين.

إن مدينة القدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، أمانة في أعناقنا، في أعناق العرب والمسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين، وأن التفريط فيها تفريطٌ في دين الله عز وجل وسَيسأَل الله تعالى المسلمين عن هذه الأمانة إن فرَّطوا في حقِّها أو تَقاعَسوا عن نصرَتها وإعادَتها.

يقول تعالى: (وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ..) ويقولصلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)..

أيها المسلمون في كل مكان: إن الدعوة مُوجَّهةٌ لجميع المُسلمين، وبخاصَّة القادة والساسَة منهم وأصحاب القرار، دُولاً ومُنظَّمات وهيئات، لبذل كل ما يستطيعون من قوةٍ سياسيَّة ومادية ونظامية ودولية. ونقول – وبكل ثقةٍ ويقين -: إن إنقاذ القدسوالمسجِد الأقصَى ليست مهمةً عسيرةً، إذا صحَّت النوايا، وصدقَت العزائِم، وتوحَّدَت الجهود، واستُوعّبَت الدروس… فالمُسلمون كلُهم يدٌ على من عاداهم، والأمةُ الحيَّة هي التي تخرُج من ظلام الخُذلان والذل والهوان إلى نور الأمل والأماني والطموحإن هذه الأمة الإسلامية حيَّةٌ لا تموت، حيَّةٌ بقوة الله، ثم بقوة هذا الدين، وامتِلاء القلوب بالثقة بالله عزَّ شأنه.. والخلافُ مع الاعداء خلافُ عقيدة، وصراعٌ بين وعد الحق ووعد مُفترًى. وهذه مسؤولية الجميع، قادة وحكوماتٍ وشعوباً وهيئاتٍ ومُنظَّمات…

إن نُصرة القدس وفلسطين تكون ببُروزها حيَّةً في القلوب، وفي الكتب، والكتابات، وفي المناهِج الدراسية، وفي وسائل الإعلام، وفي كل السياسات. ثم بتأييد إخواننا المُرابِطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فهم في مُقاومةٍ شريفةٍ، في قوتها وإرادتها وثباتها وتحمُّلها، وسيبقَى الرِّباطُ والمُرابِطون – بإذن الله وحوله وقوته -، والنصرُ قادمٌ – بإذن الله، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)هذه يا عباد الله كلمات قلتها وأقولهامعذرة إلى الله، وتقرباً إليه، وإبراء للذمة، ونصحاً للأمة، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم ضاقت بالمسلمين المسالك، وأحاطت بهم المهالك، واشتدت بهم الأزمات، واستحكمت حلقاتها، وأزفت الآزفة، ليس لها من دونك كاشفة، فاكشف اللهم غمتنا، وفرج كربتنا، وأغث لهفتنا…اللهم لا نملك إلا الدعاء فلا تؤاخذنا على تقصيرنا وتفريطنا،اللهم استجب دعائنا، اللهم أنقذ القدس الشريف وحرر الأقصى من أيدي المعتدين الغاصبين، وارزقنا فيه صلاة طيبة قبل الممات يا رب العالمين.. اللهم أيقظ أمتنا من سباتها، واجمعها من شتاتها، اللهم اجمع كلمتها على الهدى، وقلوبها على التقى، وعزائمها على الخير وخير العمل، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح قادتهم وعلمائهم، وشبابهم وفتياتهم، ونسائهم ورجالهم يا ذا الجلال والإكرام…اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…

اللهم أنصر عبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم، واحقن دمائهم ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً…

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والفواحش وسيء الأسقام والأمراض،  والفتنوالمحن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآءذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْىيَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمْوَلاَ تَنقُضُواْ ٱلاْيْمَـٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَعَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي عدنان بن عبد الله القطان مملكة البحرين